طرد الأبناء من المنزل رصاصة يطلقها الأب على أبنائه .! الجزء الثاني

رصاصة يطلقها الأب على رأسه

طرد الأبناء من البيت يقذف بهم إلى هاوية الضياع السحيقة "الجزء الثاني والأخير"

 https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEg-zrOzq92nl02vOga2GaAQvBw3NiNJwDjnQmFZhO_683PeUm8ReE853tfjr38y9TSg435qq2nZVYLVz2WGDUtZAC1kSuTFOBBox_GIE6bMwEuBum0OHB_HL8V0HBfppA6Gzccp_ob6280r/s1600/L10-10_1183-776-10-326.jpg

أنت المسئول

ويروي "ن، س" (16 عاماً)، الذي كان يعمل في أحد المحلات قصته، حيث أهانه أحد الشبان، فذهب إلى بيته واعتدى عليه بالضرب هو ومجموعة من رفاقه، وتدخل رجال العائلتين، وكان على أهله دفع مبلغ 3000 دينار، فطرده والده من البيت، وقال له خلص نفسك مع الناس، فجمع ما استطاع جمعه وسرق ذهب والدته.

وبصوت يائس يقول للسعادة: "طردني والدي بعدما كنت أسدد ديوني من المال الذي كنت أحصل عليه من المحل، وتخلى عني ولم أجد سبيلا إلا السرقة لجمع المال، حيث لم يساعدني أحد، وقبضت علي الشرطة، فهل أمتلك خيارا آخر بعدما طردني والدي؟".

سؤال أغلق به الشاب الحوار لكنه فتح أبوابا عدة للنقاش وكلمات طفت على السطح لعل أبرزها لماذا؟ لماذا يلجأ الآباء إلى الطرد؟ وهل طرد الأبناء سيحل المشكلة أم أنه سيعقدها ويؤدي إلى نتائج غير محمودة؟ وهل طرد الأبناء حينما يسلكون مسلكا سيئا سيعيدهم إلى أحضان ذويهم أم سيتركهم يتيهون في الطرقات المظلمة؟

وعلى ذلك يعقب د. درداح الشاعر أستاذ علم النفس: "من يقول طردت ابني لأنه أخطأ أو انحرف، أقول له أنت المسئول الأول والأخير، فلماذا ارتكب ابنه هذا الخطأ؟ لأنه لم يلقَ اهتماما ولا رعاية ولم يتحمل الوالدين مسئوليتهم تجاه أبناءهم، ولم ينشئوهم تنشئة صالحة وسليمة وقوية، فلماذا يتذكر الوالد ابنه بعدما يكتشف خطأه ويبدأ في عقابه بدلاً من معرفة الأسباب والدوافع وبدلا من الحنو عليه والشفقة على ما آل إليه أمره ومحاولة استعادة ابنه إلى حضنه بدلا من ملاذه إلى الشارع ورفاق السوء؟ فالطفل ينزل كصفحة بيضاء، وأول الخطوط التي تخط على هذه الصفحة تخط في داخل الأسرة والبيت".


ويقول يوسف فرحات، مدير دائرة الوعظ والإرشاد في وزارة الأوقاف: "لنا في رسول الله قدوة حسنة يعلمنا كيف نربي أبناءنا ونعلمهم حينما يخطئون، حيث يذكر أنَّ غلاماً شابّاً أتى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: "يا نبيَّ الله أتأذَنُ لي في الزنا؟".. فصاح الناس به. فقال النبيُّ عليه الصلاة والسلام: "قرِّبوه منّي، ادن منّي يا غلام". حتّى جلس الغلام بين يديه، فقال عليه الصلاة والسلام: "أَتُحِبُّه لأمّك؟" قال: "لا جُعلتُ فِداك". قال: "كذلك النّاس لا لأمّهاتهم، أتُحبُّه لابنتك؟" قال: "لا وجُعلت فِداك". قال: "كذلك النّاس لا يحِبوُّنه لبناتهم"، "أتُحبُّه لأُختك؟" قال: "لا وجعلت فِداك". قال: "كذلك النّاسُ لا يحبُّونه لأخواتهم". ثمّ ذكر له العمّة والخالة، وهو يقول في كُلّ واحدة: "لا يحبونه، وجعلت فداك". فوضع النبيُّ يده على صدره وقال: (اللهمّ طهِّر قلبه، واغفر ذنبه وحصِّن فرجه) فقام من بين يدي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وليس شيءٌ أبغض إليه من الزنا".

ويستدرك فرحات: "هكذا رسم لنا رسولنا منهجا تربويا في تعاملنا مع أبنائنا وليس كما يفعل بعض الأهالي من الصراخ والضرب والطرد، فقد جعل رسولنا الضرب وسيلة أخيرة نستخدمها مع أبنائنا بحيث يكون ضرب مشروط غير مؤذٍ إنما هو عقاب معنوي أكثر منه جسدي للتهذيب فقط، فالحوار والهدوء والتعامل بحكمة مع أخطاء الأبناء هي السبيل إلى العلاج وليس الطرد الذي يؤدي إلى نتائج عكسية". ويؤكد أنه لا يجوز بأي حال من الأحوال طرد الأبناء خصوصا ًقبل سن البلوغ".

درء مفسدة

ولعل ما أدلى به "أ، ح" (48 عاماً) أحد الآباء الذي حاول تصحيح خطأ ابنه الذي سرق من ابن عمه بطرده من البيت ولم يسأل عنه، فاتصل به ابنه بعد مدة من الإصلاحية موقوفا في قضية أخلاقية، مشهد آخر يتكرر لكثير من الأبناء الذي عايشوا ظروفا مشابهة.

ولتجنب حدوث تلك الكوارث التربوية التي يقع بها الآباء  يوضح د. الشاعر الأساليب التربوية للتعامل مع الشخص الذي يخطئ بدلا من طرده، وذلك من خلال استخدام الكلمة الطيبة ومكافأة الابن وترغيبه في السلوك الطيب، فإن جنح لذلك سرعان ما يتوقف عن خطئه، وكذلك يمكن التلميح بحرمانه الأشياء التالية: منها الرحلات والمصروف، وإذا بالغ ولم يتراجع عن ذلك السلوك السيئ يزيد الوالد وكذلك في المدة، ويتم التشديد عليه، وإذا لم يستجِب تتم معاقبته، وبعد ذلك نُوقِف الأساليب جميعها لعل الله يرجعه لحضن والديه، كما يجب على الأهل أن يلجئوا بالدعاء الصالح لأبنائهم.

ويقول د. الشاعر: "قد يكون في بقاء الابن المشاكس في البيت عدد من المفاسد، لكن طرده من البيت قد يؤدي إلى مفاسد أكبر من ذلك بكثير، وهو الأمر الذي ينبغي أن يتفطن له الآباء، فيدفعوا أكبر المفسدتين بتحمل أدناهما، بل إن الأب لو شعر أن زيادة إنكاره أو نصحه لابنه سيؤدي إلى أن يهجر الابن البيت فعليه أن يخفف من ذلك ويتحين الفرص المناسبة ويسدد ويقارب. وعليه أن يعلم أن ما يفعله مع أبنائه في صغرهم يفعلونه معه في كبرهم".

 ولعل تلك العبارة التي أنهى بها الدكتور الشاعر تعقيبه، حقيقة يجسدها واقع يعايشه الكثير من الأبناء وهذه القصة شاهد على ذلك، فيقول "س، ع": "طردنا والدنا ونحن في أشد الحاجة إليه ونحن في شبابنا، وسنطرده حينما يحتاجنا لأنه يستحق ذلك، فلن انظر إليه في يوم من الأيام لأنه طردنا ووالدتنا ولم ينفق علينا رغم أن لديه من المال الكثير وتركنا نسكن في بيت صغير يخلو من أساسيات أدنى منزل، بنيناه بأقل القليل كي لا يكون الشارع مأوانا، فلن أسامحه أنا وإخوتي وأمي وكما طردنا ونحن في أشد حاجتنا له فإنه سيكبر يوما وسيحتاج لنا وسنطرده كما فعل بنا".

في الاتجاه المعاكس

والنتيجة السابقة تقودنا للحديث عن آثار الطرد النفسية على الأبناء، فيقول د. الشاعر: "يشعر الأبناء بفجوة نفسية أو فراغ نفسي حاد، والمزيد من الحقد والكراهية نحو الأب والمجتمع ويتعلم الابن العنف والعدوان وينشأ قاسيا، لأننا لم نعلمه كيف يكون حنونا ومحبا، كذلك تتولد لديه الرغبة في الانتقام الذي يقود إلى فعل مسلكيات خطيرة قد تكون منافية للشرع".

وكما أن لهذا الموضوع تأثيره على نفسية الأبناء فله آثاره على الفرد والمجتمع يوضحها عبد السلام البنا المحاضر في قسم الخدمة الاجتماعية حيث يقول: "عندما كان المجتمع أكثر قوة وتماسكاً ومحافظة على الأعراف والتقاليد الصحيحة المستمدة في كثير منها من تعاليم الشرع الحنيف، كان طرد الابن من البيت إن حصل يمثل هزة عنيفة للابن تدفعه لتوسيط أهل الخير والصلاح من الجيران والأقارب كي يعفو الأب ويصفح، وفي المقابل كان المجتمع يؤدي دوره المنوط به فيسعى لرأب الصدع ويعيد الابن للبيت مقابل وعد منه بالحرص على بر الوالدين وترك ما يغضبهما، أما اليوم فمع اتساع رقعة العمران وتعقد العلاقات الاجتماعية وتشعبها، ومع كثرة العوامل المؤثرة التي تسهم في توجيه سلوك الأبناء، فإن الابن المطرود سيجد كثيراً من هذه العوامل تدفعه لا في اتجاه البيت سعياً لإرضاء والده بل في الاتجاه المعاكس تماماً".

وعن الحلول المطروحة لرأب ذلك الصدع بين الآباء والأبناء ينصح كلا من د. الشاعر وعبد السلام البنا بضرورة وعي الآباء بالدور المناط بهم وتفهم طبيعة الأبناء، ومحاورتهم والتقرب منهم ومعرفة ما يجول في وجدانهم، وإحاطتهم بالحب والرعاية والدفء العائلي ومحاورتهم ومتابعتهم أولا بأول، ويتعلمون النهج النبوي في التعامل مع الأبناء المبني على الحوار والفهم.

لربما أخطا الأبناء أو انحرفوا عن المسار الصحيح وهو خطأ لا يتحمله الابن وحده بل هو مسئولية مشتركة يتحملها معه ذويه، لأنهم القدوة والنموذج وعليهم يلقى دور المتابعة المستمرة لتفادي أخطاء الأبناء، لكن ما أجمع عليه الكثيرون أنه قد يكون في بقاء الابن المشاكس في البيت عدد من المفاسد، لكن طرده من البيت قد يؤدي إلى مفاسد أكبر بكثير، وهو الأمر الذي ينبغي أن يتفطن له الآباء، فيدفعوا أكبر المفسدتين بتحمل أدناهما ويتحين الفرص المناسبة للإرشاد ويسدد ويقارب.

تعليقات