الغش في الزواج بداية الطريق نحو انهيار العلاقات الاجتماعية .. الجزء الثاني

من يدفع الثمن؟


وحول إخفاء أهل الخاطب لمرض وراثي في العائلة غير موجود بالأسرة نفسها، لكنه متواجد في العائلة يقول هنية: "بداية ندعو الدولة لأخذ زمام المبادرة ووضع تشريعات تساهم في الحفاظ على الزواج من خلال عمل الفحوصات اللازمة قبل الزواج للأمراض الوراثية".

أما ما يتعلق بالناحية الشرعية، يوضح هنية قائلاً: "لا نستطيع بناء أحكام شرعية على مرض في الأجداد والقول بمنع الزواج لوجود مرض وراثي في العائلة، ولا يدخل هذا الأمر في باب الخديعة".

ويبين د. هنية قضية الكذب في موضوع التعليم والعمل فيقول: "في حال كذب الخاطب بخصوص العمل وادعى أنه يعمل، فمن ناحية شرعية فإن الأصل وجوب السؤال والتمحيص عن الخاطب كما عن الخاطبة، وعدم الاعتماد على ما يقوله كلاهما عن الآخر فقط، لكن الأمر لا يؤثر على عقد الزواج ، لكنه آثم في كذبه".

ويضيف: "إذا كذب الخاطب و لم يلبِّ وعداً قام به كتعليم خطيبته، أو استئجار بيت لها، يكون آثم، لكن الوعد غير مُلزم فلا يلزمه بشيء أمام القضاء، ولكن إذا كان شرطاً من شروط عقد الزواج، يكون ملزمٌ بتنفيذه، وإذا أخل بالشرط، تكون الزوجة مخيرة بالتعامل القضائي معه، وإلزامه بالقانون".

وكان رد د. هنية الشرعي على إجراء عملية قام بها أحد الطرفين، في مراحل عمرية مختلفة: "ليس من الضروري أن يبوح الخاطب أو الخاطبة عن عملية أجراها في مرحلة عمرية معينة، لا تؤثر على الحياة الزوجية، فلهما حرية القرار في ذلك".

ويبيِّن هنية أن أحقية البوح في حال كان العيب في الخاطب أو الخاطبة، متعلق بالأدبيات الاجتماعية أكثر من كونه أمرٌ شرعي، فإذا كان المرض في الخاطب ينبغي أن يُعرِّف به الفتاة وأهلها لأنهم شركاء معها في العقد، وأما بالنسبة للخاطب فيكفي أن يعرف هو عن موضوعها لأنه يتحمل مسئولية نفسه.

انهيار للمجتمع

وفي سياق حديثنا عن نفس الموضوع مع الدكتور فضل أبو هين قال: "بعض الناس لا يتقوا الله في أبنائهم وبناتهم، ويعتبروا البنت سلعة يُلقوا بها في معترك الحياة التي تبدأ مشاكلها منذ اللحظة الأولى التي يقرر فيها الأب إخفاء شيء ما، أو عيب ما في ابنته عند تقدم الخاطب لخطبتها، ويعتبر أنه "هم وانزاح" عنه، ولا يعرف أنه بداية المشاكل التي ستحدث معها ومع عائلته، فتبدأ الصراعات والمشاكل التي تؤدي في كثير من الأحيان إلى الطلاق بعد فضيحة تحدث للعائلة، فتتضاعف الأزمة وتصبح مشكلة مركبة، يصعب حلها.

ويوضح د. أبو هين أن هناك فارق في المعاملة بين الشاب والفتاة ضمن المنظومة الاجتماعية التي نعايشها، حيث يكون خطأ الفتاة مضاعف وينظر له الجميع ويترقبه. بينما لو أخفى الرجل عيب ما، يمكن مداراته على اعتبار أنه رجل، دون مراعاة الوازع الديني والأخلاقي لمثل هذا الأمر".

ويضيف: "إذا بُنيت العلاقة على الغش والخديعة، تَهدَّم النسيج الاجتماعي وتفكك، لأن الزواج ارتباط بين شخصين وجمع بين عائلتين، وأي خلل يصيب العلاقة يؤثر على العائلتين، فيصيب المجتمع بالتمزق و التفكك".

التربية الزواجية

بدوره بيَّن د. محمود أبو دف عميد كلية التربية أن الغش بشتى أنواعه مرفوض جملة وتفصيلاً، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "من غشنا فليس منا"، فكيف إذا كان الغش خصيصاً في الزواج الذي هو أساس المجتمع والحياة؟ لذا يجب ابتداء العمل على ترسيخ مفاهيم الحياة الزوجية التي يفترض أن تكون هادفة ونظيفة وبعيدة عن الشوائب التي تلقي بظلالها على الحياة الزوجية والأسرية، والتي تؤثر بدورها على العلاقات الاجتماعية والمجتمع بأسره.

ويؤكد د. أبو دف على أنه يجب ترسيخ قيم الاستقامة والمصداقية والأمانة عند الزوجين، والتأصيل لعواقب الغش في الزواج، و ضرورة التأسيس السليم، القائم على الصراحة والوضوح لتجنب المشكلات المستقبلية المتوقعة الحدوث.

ويتابع د. أبو دف: "نحتاج إلى التربية الزواجية أيضاً لأن للزواج مقاصد عفيفة، يجب فهمها وإدراكها للتغلب على المشكلات المستقبلية، وتجنبها قبل حدوثها أصلاً، كما يجب نشر التربية العقائدية "بعدم إخفاء العيوب"، ولابد من إدراك أن درء المفسدة أولى من جلب المصلحة؛ بمعنى يجب على الآباء عدم الغش بخصوص بناتهم وأولادهم، لأن ذلك أولى من الدخول في تجارب فاشلة".

ويحذِّر من الآثار الاجتماعية للغش في الزواج التي تؤدي إلى تفكك المجتمع، ووقوع أهل الزوجين في الغيبة والنميمة والتجريح والغش، وفتح باب اللغط في أعراض الناس، وكشف الأسرار وتقويض البناء المجتمعي.

ويستدرك د. أبو الدف: "يخطئ كثير من الآباء والأمهات في تربيتهم لأبنائهم، فلا يطعمونهم التقوى والمعايير الإسلامية اللازمة لاستقامة الحياة، فالرسول صلى الله عليه وسلم وضع معايير لخطبة الفتاة، "فاظفر بذات الدين تربت يداك"، وحدَّد معايير الرجل "إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه"، والكثير منا يتناسى هذه المعايير، ويكتفي بالمعايير المجتمعية التي قد تصيب، وقد تخطئ".

تعليقات