الغش في الزواج بداية الطريق نحو انهيار العلاقات الاجتماعية .. الجزء الأول

الغش في الزواج بداية الطريق نحو انهيار العلاقات الاجتماعية



الزواج هو الرباط المقدس الذي يجمع بين الزوجين في بيت واحد، فمن أسس بيته على الصدق والصراحة والتزم الأمانة، كان بناؤه صحيحاً خالياً من الزلل أو الخلل، ومن أسس بيته على الغش والخداع، أصاب بناءه الانهيار ولو بعد حين.

في هذا التحقيق تناولت "السعادة" قضية الغش في الزواج، سواء كان على صعيد المرض أو العيب الخلقي، أو حتى الغش في السلوكيات والتصرفات والوعود التي يقطعها كلا الطرفين.
 
قصة كتبتها حروف التجربة وخطَّت معالمها واقع عايشته هـ. ت. بكل تفاصيله. تأبى الحديث في البداية، لكنها تعود وتقرر الحديث، وتُبقي جانباً من خفايا الموضوع، لكنها تبوح بما قررت الإفصاح عنه. تتراقص في مخيلتها مشاهد أصبحت من الذكرى، فتهز برأسها يميناً ويساراً لتنفض من ذاكرتها غبار ما تركته آثار التجربة. تحدثنا عن تجربتها التي انتهت بطلاقها بعد خطبة دامت ستة أشهر!

وتقول: "تقدم لخطبتي شاب، وتمت الموافقة بعد السؤال عنه، ومضت الأيام، وكانت تحدث بيننا بعض المواقف التي لم تلق قبولاَ من كلينا، لكن القشة التي قصمت ظهر البعير كانت عندما علمت قدراً، أنه يعاني من مرض القلب، حيث كان يتناول دواءه، فأخفى علبة الدواء بسرعة حينما دخلت الغرفة. للوهلة الأولى اعتقدت أنه يتناول دواء عادياً، فسألته بدافع الاطمئنان عما تناوله فأنكر وقال أنه لم يتناول الدواء! فوجئت حينها بردّه الذي لم أكن أتوقعه وأحسست بأن هناك أمر غريب، وأصررت أنه تناول الدواء أمامي".

وتضيف: "سألته كيف تنكر أمراً رأيته بعيني، وبعد فترة صمت سادت بيننا، اعترف أنه يعاني من مرض في القلب، فكانت الصدمة التي أخذت جزءاً من صحتي وأثرت كثيراً عليّ، فلم أتوقع أن يصل الخداع في الناس إلى هذه الدرجة، وأن يصل الغش إلى الزواج، وأن يمس قداسة الرباط الزوجي بين الزوجين، لم أعد أثق به، ولم أتخيل حياتي مع شخص لم يكن صريحاً في قرار مصيري، فقررت الانفصال عنه، وتم ذلك".

ولا يقتصر الغش في الزواج على مرض معين أو عيب خلقي، حيث يطال الغش أحيانا سلوكاً اجتماعياً، أو صبغة حياة، وهذا ما حدث مع ح.ع، وهي ابنة لأبوين بسيطين، تعمل سكرتيرة في مؤسسة خاصة، حيث تقدم لخطبتها شاب، وتمت الموافقة عليه، وكان قد أخبرهم بأنه جامعي ويعمل في مجال الحاسوب، واكتشفت بعد الخطبة أنه غير متعلم وأنه احترف مهنة الحاسوب بالممارسة، وأصبح ذو خبرة وتمرس في هذا المجال كما تقول: "في البداية تعبت كثيراً واعتقدت أنها نهاية الدنيا، وقلت في نفسي إذا كانت هذه هي البداية، فكيف ستكون حياتنا بعد ذلك؟".

وكما هو في عُرف الناس فإنه أمر لا يجب السكوت عليه، ولكن في عرفها كان التصرف الأولى الذي قامت به، أن احتسبت أمرها عند الله تعالى وتقبلت الأمر، وساعدها على ذلك أدبه وأخلاقه في تصرفاته معها، وتلبيته لجميع احتياجاتها، فكان الأمر أكثر سهولة بعد ذلك، واقترحت عليه استكمال تعليمه، وشجعته على ذلك، وبادرت بالتسجيل له، وهو الآن في الفصل الدراسي الأول.

الزوج يدفع الثمن

جزءٌ من نموذج آخر كان الزوج فيه هو من دفع ثمن إخفاء أمر يتعلق بزوجته يتمثل بحرق في جسدها لم يُخبره أهلها عنه. لم يتوقع الزوج إخفاء أمر كهذا، ولم يتصرف الزوج تصرفاً مثالياً، ولم يقبل بالأمر الواقع كما هو الحال مع معظم من عايش هذه التجربة، حيث يقف الأمر الآن عند حد الطلاق فيما بينهما.

وتجربة أخرى في واقع مختلف خاضتها ح.م (25 عاماً)، التي لم تكن تتخيل أن يحدث معها ذلك ولا في أسوأ كوابيسها على حد تعبيرها، فتقول: "ارتبطت بشاب يكبرني بخمس سنين، وهو ذو مركز اجتماعي مرموق، وتم الاتفاق على جميع الترتيبات، وعرف في سياق حديث دار بيني وبين والدتي أنني كنت قد استأصلت المرارة وأنا في الخامسة عشر، فاكفهر وجهه، ولم يتحدث مطلقاً، وغادرنا قبل موعد ذهابه المعتاد".

وتضيف: "تفاجأت بطلاقي، دون أن يتحدث معي بكلمة، وأرسل لي رسالة أنه اعتبر عدم بَوحي له بهذا الأمر خيانة تستحق اتخاذ مثل هذا القرار، لكني لم أعتقد بأهمية هذا الأمر، واعتبرته أمراً خاصاً ولا يتعلق بحياتنا الزوجية، لكنني تفاجأت برده غير المتوقع فهو لم يُعطني حتى فرصة الدفاع عن نفسي، وحمدت الله أن حدث ذلك قبل الزواج، فلم أتوقعه بهذه العقلية".

المشروع وغير المشروع

د. مازن هنية عميد الدراسات العليا في الجامعة الإسلامية يقول عن الغش في الزواج وتأثيره على عقد الزواج: "العقود عامة تقوم على الوضوح والصراحة، وتُبنى على القيم الأخلاقية التي تمنع الناس من هضم حقوق بعضهم البعض، وهناك تشريعات شفافة تحمي الإرادة في الحال والمآل، ورعاية الإرادة في المآل أساسه ألا يوجد في التعاقد أي شكل من أشكال الغش أو الخداع".

ويضيف: "في عقد الزواج يكون الأمر أكثر عمقاً لأنه رباط مقدس، لذلك فإن له مقدمة غير موجودة في باقي العقود تتمثل في الخطبة، لوقوف كلٍ منهما على أخلاق الطرف الآخر".

وحول إخفاء أهل الخاطب مرض معين أو عيب خلقي في ابنهم أو ابنتهم يقول: "المرض له أقسام، هناك أمراض تؤثر على العلاقة الزوجية يجب البوح بها من كلا الطرفين، وإذا لم يتحدث به الطرف يُفسخ العقد، ويتحمل صاحب المرض كامل المسئولية، ويرجع للطرف الآخر ما غرم له من مال. وهناك أمراض لا تؤثر على الحياة الزوجية، يجوز عدم البوح بها".

ويبين أن هناك أمراضاً ذات طبيعة نفسية لها انعكاس نفسي تمنع استقامة الحياة الزوجية، يجب البوح بها من قبل الطرفين".

تعليقات