عمل المرأة فقدان لأنوثتها وضربة قاضية لسيطرة الزوج

حينما تتحول المرأة إلى رجل
 
في ظل التغيرات التي طرأت على المجتمعات عامة والمجتمع الفلسطيني خاصة، وفي ظل التطور والانفتاح الذي أحال مشاركة المرأة في المجتمع جزءً لا يتجزأ من منظومته، ونظراً لخصوصية القضية الفلسطينية التي فرضت واقعاً جديداً على المرأة الفلسطينية التي تساند زوجها وتشد من أزره، وتضطرها إلى العمل خارج البيت، أصبح خروج المرأة للعمل عند البعض واقعاً مفروضاً.
فهل عمل المرأة خارج البيت يفقدها أنوثتها ويفقد الرجل رجولته؟ وهل تستطيع المرأة التوفيق بين كونها عاملة صاحبة قرار، وبين الحفاظ على أنوثتها؟ وما الخطوات التي تساعدها في الحفاظ على ذلك؟ وما العوامل التي تساهم في حفاظ كل من المرأة على أنوثتها والرجل على رجولته في ظل عمل المرأة؟

تحقيق: أنوار هنية

تقول هبة الصعيدي ممرضة (25 عاماً): "لا أتفق مع من يقول إن عمل المرأة خارج المنزل يفقدها أنوثتها، فطبيعة عملها تتطلب منها الجدية والحزم في التعامل، فتصبح شخصيتها قوية قادرة على اتخاذ القرار وتحمل الأزمات وإدارتها، والتعامل مع مختلف الأطياف والعقول والفئات، وبالتالي فهي ميزة وليست عيباً، وهذا الأمر سيؤثر تلقائياً على تعاملها و صقل شخصيتها، ولن ينفي ذلك أنوثتها، إلا إذا كانت معنية بإظهار قوة شخصيتها وتسلطها أمام زوجها، وإلغاء رجولته، وهذا هو الأمر السلبي".
لكنها -كما ترى الصعيدي- في حال وازنت ما بين شخصيتها كامرأة عاملة، وما بين شخصيتها كأنثى في البيت، وحافظت على هيبة ورجولة زوجها، بعيداً عن طمس شخصيته باعتبارها صاحبة دخل أو صاحبة قرار، فإن ذلك لن يخل باستقرار وتوازن الأسرة.
ويوافقها الرأي الصيدلي فتحي بارود، الذي يرى أن عمل المرأة يُغير كثيراً من شخصيتها، ويكسبها من قوة الشخصية ما يغير من سلوكياتها، فلا تعود تلك المرأة الرقيقة، بل يجعلها أكثر صلابة وجرأة في مواجهة المواقف والحياة، الأمر الذي ينعكس عليها بطريقة تلقائية دون إرادة منها.
لكن المرأة المسلمة التي تفهم دورها وتحافظ على أنوثتها وعلى دور زوجها ورجولته، من وجهة نظر بارود تستطيع تحقيق التوازن الذي يؤدي إلى استقرار الأسرة بأكملها، حيث إن العلاقة بين الزوجين مهمة جداً لتنشئة جيل صالح خال من العقد والاضطرابات النفسية، والمرأة حينما تعمل فهي تساعد زوجها وتشد من أزره، لذلك على الرجل تقبل تبعات ذلك بإيجابياته ومحاولة تصحيح سلبياته.

تعجرف ثم طلاق

(م، س) لم يستطع التكيف مع زوجته الذي قلب عملها تصرفاتها وشخصيتها رأساً على عقب على حد تعبيره، فلم تُلقِ بالا لمواجهته المتكررة لها بتغيرها في المعاملة وتغير سلوكها تجاهه، ولم تأبه بنصائحه المتكررة بضرورة أخذ الموضوع على محمل الجد، "فالنفترة"، والتسلط والاعتداد بالرأي، صفات لم تظهر إلا بعد حصولها على الوظيفة، حتى شعر أنه أفقدها أنوثتها، وأصبحت شخصية مختلفة تماماً عما كانت.
ويقول (م، س): "بعد استنفاذ طاقتي معها تحدثت مع والدتها التي كانت تضع المبررات تلو المبررات لابنتها، فلم أجد بداً من الحل الأخير، وهو الطلاق، فلا يوجد سفينة بربانين، ولا استقرار لبيت يجمع رجلين وقرارين ووجهتي نظر، دون الحفاظ على دور كل منا".
أما عماد أحمد، مدرس، على العكس منه فلم يكن تغيُّر زوجته سبباً لإنهاء حياته معها، بل سعى جاهداً لتطوير العلاقة بينهما موضحاً لها دور كل منهما، ومذكراً إياها بصفاتها كامرأة بعيداً عن أجواء العمل التي تكسب المرأة تغيرات في سماتها الشخصية، وحافظت زوجته على ذلك بعيداً عن إعطاء المبررات، وسعت لأن تبقى كما هي بصفاتها الأنثوية التي لا تتغير بالظروف والمتغيرات كالعمل خارج المنزل، بل أعطت كل شيء حقه، بحيث حافظت على أنوثتها داخل المنزل دون خدش لرجولة زوجها، وتفهمت دور كل منهما مع علمها بقوامة الرجل التي لا تعتبرها إهانة لها كما يعتبرها البعض، بل سعت لأن تكون هي صورة زوجها والقدوة الحسنة لأبنائها.
ويقول أحمد: "لم تعاندني زوجتي، بل كان الحفاظ على الاستقرار الأسري أولى سلم أولوياتها، كما كانت تصحح ما أنصحها به بعيداً عن التوترات".
ويرى أحمد لبد ،حكيم، أنه ليس هناك تعارض بين عمل المرأة والحفاظ على أنوثتها ورجولة الرجل، بل إن ذلك يؤدي إلى استقرار أسرتها وراحة زوجها, فالمرأة عون وسند لزوجها تقف إلى جانبه وتسانده وتشد من أز،ره لأن الحياة اليوم أصبحت أكثر تعقيداً وصعوبة.
ويقول: "من المستحب أن تشارك المرأة الرجل وتتحمل معه تبعات الحياة، وزوجتي تساعدني في ذلك، فهي امرأة عاملة لكنها تحافظ على حدود الشرع في عملها، وتتعامل بجدية خارج المنزل وهو أمر لا يتنافى مع أنوثتها التي تُبقي عليها داخل المنزل، والرجل المسلم يوضح لزوجته تلك النقاط ويذكرها بها، والمرأة المسلمة تتفهم قوامة الرجل، التي لا تنقص حق المرأة بل تحافظ على هيبته".
ويضيف: "تغير شخصية المرأة أمر طبيعي لأنها تتأثر و تؤثر، لكن المرأة الواعية توازن بين هذا وذاك، وهذا ما أراه من زوجتي".
ويتفق معه في الرأي إسماعيل بعلوشة الذي يرى أن المرأة كائن بشري يتأثر ويؤثر في البيئة المحيطة به، وأن خروجها للعمل يصقل شخصيتها ويغير في صفاتها، وهذا التغير قد يعجب بعض الرجال ولا يعجب البعض الآخر.

انهيار وضياع

وقد لا تلاحظ بعض النساء تغيراً في صفاتها، خصوصاً المرأة العاملة صاحبة الدخل والقرار، فتذوب أنوثتها في خضم العمل وظروف ومتقلبات الحياة.
( ن، ع) كانت إحدى تلك النماذج، حيث أصبحت هي صاحبة الرأي والقرار وألغت شخصية زوجها الذي كان أسير ظروف الحياة التي أقعدته بلا عمل، وتسير حياتهما بهذا النمط الذي أدى إلى انهيار الاستقرار الأسري وضياع أجمل سني العمر في زواج قلبت ظروف الحياة موازينه، فأفقد المرأة أنوثتها والرجل رجولته وأضاع هيبة الوالد القدوة، في حين لم يستطع زوجها مواجهة الموقف وفضل الركون إلى الهدوء بعيداً عن المواجهة.
ويرى الأخصائي النفسي بمركز فلسطين لرعاية ضحايا الصدمات النفسية عماد الحلو، أن أكثر ما يميز المرأة أنوثتها التي هي من معالم شخصيتها التي منحها الله لها، باعتبارها صفة فطرية لا يمكن أن تصل لدرجة فقدانها، ولكن من الممكن أن تتأثر نتيجة لعوامل ذاتية وبيئية ترافق عملها خارج المنزل، وترتبط بمدى الاستعداد والحاجة وظروف العمل وطبيعته، لِيكسبها ما يجعلها تكون مضطرة للتنكر لهذه الطبيعة بغرض الحفاظ على نفسها وعلى أدائها في العمل، وإيجاد حالة من التوافق والتوازن يحقق لها حاجات نفسية مرتبطة بإثبات الذات والقدرة على تحقيق الأهداف.
ويقول: "حينما تكون المرأة هي صاحبة الدخل، قد تختلف المعايير بحيث تلقي بظلالها سلباً على توازن الأسرة"،
ويشير إلى أن رجولة الزوج لم تقف عند حدودها ككلمة، بل تتعدى ذلك إلى صفات يحرص على التحلي بها وفق النظم والمعايير الاجتماعية والثقافية في المجتمع، إلا أن الظروف المرتبطة بتغير دور المرأة كصاحبة دخل قد يلقي بظلاله على ما هو قائم مجتمعياً، باعتبار أن تلك الأدوار ترتبط ببناء القوة التقليدية التي تقوم على تفوق الرجل وسلطته الاقتصادية والاجتماعية، التي ليس من السهل التخلي عنها، وإن حدث الأمر نتيجة لظروف خاصة أو موضوعية فإن لفقدان الرجل رجولته الأثر السلبي على دوره ووظيفته الأسرية والاجتماعية، وعليه فإن الأمر يتطلب توافق يُمكِّن من تهيئة ظروف وأدوار موائمة تعطي الرجل ما يحقق سماته وخصائصه، وتعطي المرأة حاجاتها في إطار التفهم والتقبل من طرف كل من الرجل والمرأة، ليحافظ كل منهما على دوره ووظيفته اتجاه الآخر.
ويرى الحلو أن التغير بالنسبة للمرأة يجسد مسيرتها نحو الصورة التي ترسمها لنفسها في ظل التطور الاجتماعي، فاستطاعت اختراق مجالات العلم والمعرفة والعمل، وأصبحت أكثر وعياً بذاتها وأكثر انفتاحاً واستعداداً وتقبلاً لعوامل التغيير وتساهم بشكل فاعل في اختيار نسق حياتها وفق المعايير الاجتماعية والقانونية التي أفسحت لها نوعاً من مجالات التغيير، ليكون لصالح الإيجابية.
ويقول: "إن التغيير حمّل المرأة مسئوليات أكثر جعل سلبياته وإيجابياته مرهونة بالمرأة نفسها، لتكتشف ذاتها وتطور نفسها وإمكانياتها الاجتماعية والمعرفية، لما يمكنها من تحقيق توازناتها النفسية والأسرية والاجتماعية بعيداً عن السلبية وباتجاه الإيجابية.

صاحبة قرار

ويشير الحلو إلى أن عمل المرأة قد يعطيها مكانة اجتماعية؛ فهو يحقق لها دخلاً مادياً، ويشعرها بأهميتها، ويمكنها من تحقيق الرضا عن النفس وإثبات الذات، ويسهم في بناء شخصيتها وقدراتها، وتلك الأمور لا تتعارض مع أنوثتها بل قد تكون مكملة لنمط شخصيتها، إلا أن مسألة التوفيق بينهما ترجع إلى قدرة المرأة وإمكانياتها العقيلة والمعرفية في تدبير الأمور، خاصة وأن المهام المنوطة بها تشكل مسئوليات وأدوار مجهدة وأعباء مضاعفة قد تؤثر سلباً عليها، سواء على المدى القريب أو البعيد، في حال تجاوزت ما يمكِّن من التوفيق، علماً بأن باب الفشل مفتوح وكذلك باب النجاح، والمرأة بذاتها هي الأجدر والأقدر على تحديد مسارها".
أما الخطوات التي تساعد على ذلك فهي كما يقول الحلو: "في وعيها الدائم بخصائص وسمات أنوثتها، والفصل ما بين أدوارها بشكل يلبي حاجاتها وحاجات الآخرين، وتقسيم الأدوار واحترام وتقدير مكانة الدور ووظائفه، واكتساب المهارات الشخصية لتطوعها في خدمة أهدافها، كذلك الالتزام واحترام النسق الاجتماعي والثقافي الذي تعمل و تعيش فيه".

مكانة الرجل ودور المرأة

ويوضح الحلو أن للرجل مكانته الأساسية بالنسبة للمرأة، وأن تكوينه النفسي مستمد من خصائصه كرجل يتحلى بصفات وسمات مدعمة ومعززة دينياً ومجتمعياً وثقافياً، وهذا ما قد يساعده في الحفاظ على رجولته، بالإضافة لطبيعة التوافق والدور الذي يشغله، وخصائص شخصيته، ووصفه الاجتماعي والاقتصادي، مع وضوح الأدوار والمسئوليات التي يقبلها ويفهمها كل من الرجل والمرأة".
ويقول: "هناك شيئ معقد حول الدوافع التي تجعل المرأة أكثر ميلاً للرجولة، فقد تعتقد أن هذا الأمر هو وسيلتها للاستقلال والحياة والحرية، فيجعلها تسعى لتحقيق توازنها وحاجاتها من خلال ذلك، ولهذا يجب توضيح أن الرجولة ليست ميزة جسدية بقدر ما هي خصال تتوافر في أي شخص، ذكراً كان أم أنثى، وهذا أمر يجب على الجميع إدراكه".
وللحفاظ على دور كل من الرجل والمرأة يقول الحلو: "إنه لابد من التفهم والتقبل المتبادل من كلا الطرفين، وتحديد الأدوار والمسئوليات، وأن لا يغفل أو ينسى كلاهما طبيعة الآخر، كذلك التوافق والترابط الأسري، وتعزيز كل منهما ومساندة دور الآخر، وإدراكهما للواقع الاجتماعي والثقافي المنتمين إليه، وإدراكهما ومعرفتهما بحاجاتهما النفسية والاجتماعية، والعمل على دعمها و تعزيزها، بالإضافة إلى إدراك كل منهما أنه أولوية الآخر هو والأسرة، والتداول الدائم للمشاعر الإيجابية ما بينهما، وإبراز الاهتمامات الذاتية الشخصية كل منهما للآخر".
ولتغير أدوار كل من المرأة والرجل انعكاسه على الأسرة، الحلو يوضح ذلك قائلاً: "لم تقف حدود التغير الذي طرأ على المرأة و الرجل عند حدود ضيقة، بل تعدى ذلك ليلقي بظلاله على الأسرة من ناحية شكلها ودورها ووظائفها الاجتماعية والثقافية، وقد يكون التأثير سلبي أو إيجابي، على اعتبار أن الأسرة كنظام يأتي -وفق ما يحقق تماسكه- من خلال ثلاث عواطف أساسية: أولها عاطفة الحب التي تجمع المرأة والرجل كزوجين، ورغبتهما المسبقة في الاستمرار والتطور والارتباط، وعاطفة الأمومة، وهي الغريزة الأساسية التي من خلالها تقوم الأم على رعاية أطفالها وتنشئتهم، وعاطفة الترابط الأسري الذي يجسد أجواء الألفة والاحترام وتقبل أعضاء الأسرة الواحدة لبعضهم البعض وتلبية احتياجاتهم، ويأتي كل ذلك وفق أدوار أساسية للرجل والمرأة، وأي تغيير بالطبع قد يؤثر سلباً على الأسرة وأفرادها

تعليقات