حلول لأكثر مشاكل الإنجاب أطفال الأنابيب

حلول لأكثر مشاكل الإنجاب
أطفال الأنابيب... الخيار الأخير للزوجين تحت مجهر "السعادة"
مع التقدم العلمي الذي طال كافة مناحي الحياة، أصبحت حلول العقم أكثر سهولة حتى لأعقد المشاكل، فالحقن المجهري، أو التلقيح أو الإخصاب المجهري، أصبحت تستخدم على أوسع نطاق منذ أكثر من عشرين عاماً واستفاد منها الملايين وينعم أطفالهم بصحة طبيعية تماماً، و تستخدم تلك الوسائل إذا تعذر استرجاع القدرة الإنجابية الطبيعية، أو إذا كان عنصر الوقت مهماً كما في حالة تقدم سن الزوجة أو التعجل نتيجة ضغوط نفسية ملحة.
فماذا نعني بأطفال الأنابيب؟ ومتى يلجأ الأزواج إليها؟ ومتى يلجئون إلى الإخصاب الصناعي؟ وما خطورة ذلك على كل من المرأة و الرجل والطفل؟ وهل هناك تأثيرات جانبية مستقبلاً؟ وما رأي الشرع في عملية الإخصاب خارج الرحم؟

تحقيق:أنوار هنية
عشر سنوات قضتها من عمرها، زامنتها محاولات كثيرة لتُزين حياتها وزوجها بمولود صغير يضيء عمرهما. "محمد وأحمد" كانا نتيجة آخر المحاولات التي كانت عن طريق أطفال الأنابيب، فبعد عشر سنوات من المعاناة والعيش على نقيضي الألم والأمل، كان قرار عملية الزراعة أو ما يعرف بأطفال الأنابيب، وكان الأمل الذي زُرع في نفسيهما والذي تُوِّج بأحمد حيث نجحت العملية منذ المرة الأولى، واستكملت مشوارها الذي قدر لها، وكانت المحاولة الثانية للزرع والتي تلتها محاولتين أخريين باء ثلاثتهم بالفشل، حيث لم تنجح في الثلاث مرات.
أم أحمد تقول للسعادة: "كان يحدث معي في تلك الفترة ما يعرف بالحمل الكيميائي، أي تكون نسبة الحمل ضعيفة في الدم، وبعد إجراء فحوصات كاملة تبين وجود هرمون في الدم يسبب الإجهاض، ولم يتم اكتشاف هذا الأمر مسبقاً إلا بعد الثلاث محاولات التي فشلت، وأخذت العلاج المناسب له الأمر الذي أدى إلى نتيجة إيجابية في المرة الخامسة، حيث حملت بثلاثة توائم وحصلت معي ولادة مبكرة في اليوم الرابع من الشهر الثامن، وثبت الحمل على طفل رزقني الله به، وتوفي الباقين، أحدهما أثناء فترة الحمل، وواحد بعد الولادة".
قد يحتاج الأمر أحياناً إلى بعض من الجرأة والمغامرة في بعض الحالات. (م، س) كانت النموذج الذي خطى بخطوات الجرأة والمغامرة، فلم تكن نسبة نجاح العملية تتجاوز 15- 20 % ، حينما قررت إجرائها، حيث كانت تعاني من انغماس في بطانة الرحم بالعضلات، وهو ناتج عن هرمون يُربى على جدار الرحم، فيمنع التصاق البويضة ببطانة الرحم، الأمر الذي جعلها تلجأ إلى موضوع الزراعة أو ما يُعرف بأطفال الأنابيب. أجرت العملية في الأردن، قبل خمسة عشر عاماً، في عمر يناهز 53 عاماً، و تم استخراج خمس بويضات نجحت منهم اثنتان، ومع بداية الشهر الثالث ثبت جنين واحد، وتمت الولادة في أول أسبوع من الشهر التاسع".
(م، س) تُحدّثت للسعادة عن أكثر الصعوبات التي واجهتها أثناء فترة الحمل، والمتمثلة في القلق النفسي المتواصل والمستمر والتفكير المتواصل بنجاح الحمل أم لا، وكان أكثر ما أربكها حداثة موضوع أطفال الأنابيب حيث أنه لم يكن بهذا التقدم والانتشار والنجاح كما أنها لم تكن معروفة بالنسبة للأطباء في غزة حيث كانت العملية في الأردن بينما كانت الولادة في مستشفى الشفا ولم يكن للأطباء تجارب وخبرات سابقة بها.
فرحة كبيرة
خرجت (م. س) من غرفة الفحص ودموع الفرحة تترقرق في مقلتيها وهي تقول بتلعثم لزوجها: "شفت الجنين.. كانوا اتنين صغار، شفت النبض". وكانت تمسك صورة صغيرة بيديها المرتعشتين، يبدو أنها صورة صغيرة للجنين، وقالت لزوجها: "هي صورتهم شوف، مش مصدقة إني حصير أم". لم تسعه الفرحة فوقف صامتاً يساند زوجته، وكلمات الحمد والشكر والثناء لم تفارق شفتيه.
قاطعت "السعادة" فرحة الزوجين السعيدين وشاركتهما سعادتهما، ووافق الزوجين على إجراء المقابلة بعد محاولات إقناع، وقالت الزوجة ( م. س): "الحمد لله الذي أتم علينا فرحتنا التي توجت بهذا الحمل بعد سنوات انتظار قاربت على السبع سنوات، حيث كنت أعاني من انسداد قناتي فالوب، وعشت سنوات الألم والقلق والتوتر الذي ملأ حياتنا. أحد أصدقاء زوجي أشار عليه بموضوع الزراعة لكنني كنت متخوفة وقلقة".
ويشاركنا زوجها الحديث: "كانت تخشى العملية، وبعد محاولات إقناع تكللت بالنجاح أجريناها، والحمد لله الآن تحمل توأمين. أسأل الله أن يتم علينا فرحتنا ويثبت الحمل".
أما سارة وأحمد وهدى فقد كانوا ثلاثة توائم ملأوا حياة رغدة أبو شقير وزوجها. مضت أربع سنوات من عمرهم زيَّنوا بها حياة والديهم بهجة وسعادة بعد طول انتظار، يلهون ويلعبون هنا وهناك، تهتز أمواج الهواء بصدى صوت ضحكاتهم، ولعبهم وبكائهم، وهتافهم، بعد حرمان دام خمس سنوات نتيجة لمشكلة في الرحم.
التقت "السعادة" برغدة أبو شقير، التي بدت عليها علامات الفرح والسرور وقالت: "الحمد لله الذي جبرني ورزقني بعد حرمان طويل، لأيام وسنين طوال فقدت الأمل أن أكون أماً، لكن رحمة الله فاقت كل شيء والتقدم العلمي أتاح لنا المجال لذلك، فقد ملأ أطفالنا حياتنا بهجة وسروراً".
امرأة أخرى لم تفقد الأمل في طفل يقول لها "ماما"، يسمع شكواها وتسمع ضحكاته، بعد مضي سبع وأربعين عاماً من عمرها، حيث أن نسبة نجاح العملية لا تتجاوز 1- 5%، وكان القرار المنطقي الذي أجمع عليه الجميع بعدم إجراء العملية، لكن رغبتها أن تحمل طفلها في أحشائها كان فوق حسابات المنطق الطبيعية، فخاضت التجربة التي راهن عليها الجميع بالفشل، لكن قدرة الله فاقت تلك المعايير، وعلى الرغم من خطورة حالتها، حيث كانت تعاني من وجود أكياس على المبايض مضافاً إليها كبر سنها الذي زاد الأمر صعوبة وخطورة على حياتها إلا أن الله قدر لها نجاح العملية وأنجبت طفل يبلغ عمره الآن ثمانية سنوات يحيا حياة سعيدة مع والديه.
إجراءات تسبق العملية
لموضوع الإخصاب خارج الرحم أو كما هو مشاع أطفال الأنابيب وقفة خاصة تستدعي الإجابة على العديد من التساؤلات. "السعادة" طرقت هذا المجال مع د. ثروت الحلو مدير مستشفى الحلو الدولي للعقم وأطفال الأنابيب الذي بادر بالقول :"قبل التفكير بعملية الإخصاب خارج الرحم أو كما هو مشاع "أطفال الأنابيب"، يجب إجراء فحوصات مختلفة للزوج والزوجة للتأكد إذا كانت هناك أسباب تعيق الحمل، ومعرفة إذا كان بالإمكان العلاج بطرق أبسط. وهذه الفحوصات مثل فحص الدم وفحص الرحم وفحص الحيوانات المنوية وقناتي فالوب".
هناك فرق ما بين الإخصاب خارج الرحم أو ما يعرف بأطفال الأنابيب وبين التلقيح الصناعي ولكل منهما حالاته الخاصة به. ويبين د. الحلو الحالات التي تستدعي عملية الإخصاب خارج الرحم، وهي الزوجة القادرة على إنتاج البويضات والزوج المنتج للحيوانات المنوية، والسيدات اللواتي تكون قناتا فالوب لديهن مغلقة أو تالفة بحيث لا تسمح للحيوانات المنوية بالوصول للبويضة لإخصابها، كما تفيد هذه الطريقة الرجال الذين يعانون من العقم نتيجة نقص أو قلة حركة الحيوانات المنوية، حيث توضع الحيوانات المنوية في مكانها الصحيح وفي أقل وقت ممكن ومع البويضة مباشرة. كما تفيد السيدات ما بين 35-40 عاماً لتمكنهن من الحصول على طفل حيث تكون فترة التجربة أمامهن قصيرة الأمد، وحالات العقم غير معروفة السبب، والسيدات المصابات بمرض البطانة الرحمية Endometriosis، والرجال الذين تتولد لديهم أجسام مضادة للحيوان المنوي Anti sperm Antibody. كذلك بالنسبة لإصابة الرجال بعيار ناري في العمود الفقري تؤدي إلى شلل في النصف السفلي، وفي هذه الحالة قد لا يحدث إنجاب، حيث يحدث ارتجاع للحيوان المنوي في المثانة، فيلجأ إلى عملية الإخصاب خارج الرحم.
بينما الحالات التي تستدعي التلقيح الصناعي يوجزها د. الحلو بعدة حالات: "فيما يتعلق بالزوج، وهي أن يكون عدد الحيوانات المنوية من 15 مليون إلى 20 مليون، و أن يكون نشاطه أكثر من 20-30 %. وفيما يتعلق بالزوجة في حال كانت قناتي فالوب الاثنتين مفتوحتين أو واحدة منهما. كذلك في حالة وجود تلف في الأهداب الداخلية لقناة فالوب وبالتالي يتم الاستعانة بالأنبوب الآخر. وعند وجود وسط حامضي داخل المهبل يعمل على قتل الحيوانات المنوية، بالإضافة إلى وجود أشياء غريبة في الحيوان المنوي للزوج أو إفرازات من الزوجة تمنع وصول الحيوان المنوي إلى الأنابيب.
وينتاب بعض السيدات القلق من موضوع أطفال الأنابيب، ويتساءلن كيف تعرف بحدوث الحمل؟ د. الحلو يرشد النساء قائلاً :"بعد مرور أسبوعين من تاريخ نقل الأجنة دون نزول دورة، يجب زيارة العيادة لإجراء فحص هرموني للدم للتأكد من حدوث الحمل، ويمكن رؤية الحمل بعد مرور ثلاثة أسابيع من نقل الأجنة عن طريق جهاز الموجات فوق الصوتية".
وقد تحدث الإباضة داخل الجسم قبل أن يجمع الطبيب المعالج البويضات الناضجة. ويبين د. الحلو ما يجب فعله في تلك الحالة، وهو إما أن يؤجل العملية بأكملها إلى الدورة المقبلة، أو إذا كانت قناتا فالوب مفتوحتين فيمكن إجراء عملية تدعى (Direct Intraperitoneal Insemination ) D.I.P.I أو عملية I.U.I).
وقد تضطر المرأة إلى إعادة عملية أطفال الأنابيب لأكثر من مرة ولسبب أو لآخر تتعرض للفشل فينتابها وزوجها العديد من الأفكار السلبية بإمكانية إعادة العملية. لذلك يقول د. الحلو: "ليس هناك عدد معين لإعادة العملية، ولكن الضغط النفسي والإحباط الذي تشعر به السيدة عند فشل المحاولة الأولى يحتاج من 2-3 أشهر للراحة، وإذا حصل الحمل مثلاً خارج الرحم (حمل مواسير) فإن ذلك ليس بسبب خطأ ما عند إجراء العملية، وإنما كون قناتي فالوب بهما نوع من الخطأ عند قسم من السيدات اللواتي يجرين هذه العملية ما يجعل احتمال الحمل خارج الرحم، وليس العملية نفسها، وقد يحدث حمل بأكثر من طفل واحد، وهذا الاحتمال موجود ولذا فإن عدد الأجنة المنقولة هو ثلاثة عادة، وهذا يقلل من احتمال حمل أكثر من جنين واحد ولكنه لا يمنعه.
ويبين الحلو أساب فشل الإخصاب خارج الرحم أحياناً فيقول: "تقل نسبة النجاح في عدة حالات: أولها قلة عدد البويضات المنقولة، وتتأثر الأجنة بنوعية البويضات ونوعية الحيوانات المنوية، ومن الممكن أن يُطلب من الزوج عينة أخرى من السائل المنوي إذا لم يتم حدوث الاخصاب وذلك لإعادة المحاولة. كذلك كلما زاد عمر المرأة تكون نسبة نجاح عملية طفل الأنابيب أقل ويمكن أن يكون ذلك بسبب أن البويضات الأكبر عمراً تكون أقل قابلية للتلقيح، كذلك تشوه الأجنة عندما يكون بسبب تشوه الكروموسومات حيث لا تلتصق بجدار الرحم، حتى لو تم ذلك فإن الحمل ينتهي بالإجهاض. بالإضافة إلى البطانة الداخلية للرحم حيث أنها تستجيب لهرمونات الجسم وتتهيأ تبعاً لذلك لاستقبال الحمل، ولكن في بعض الأحيان تكون ضعيفة بحيث يصعب التصاق الجنين بها.
ويؤكد الحلو أن نجاح عملية الإخصاب خارج الرحم يعتمد على مجموعة عوامل عند البدء بالعلاج منها أخذ الحقن اللازمة لحث المبيض على زيادة إنتاج الحويصلات التي تحتوي على البويضات في داخلها ويجب التقيد باليوم والكمية التي يحددها الطبيب، ومراجعة الطبيب بالوقت الذي يحدده لأن الوقت مهم حتى يتمكن من رصد الاباضة لتحديد يوم جمع الحويصلات من كلا المبيضين، كذلك أخذ حقنة H.C.G في العضل في الساعة التي يحددها الطبيب ويجب التقيد بالموعد حتى لا تتم الاباضة قبل جمع البويضات، وإتباع التعليمات بشأن الجماع. وعادة ينصح الطبيب أن تكون طبيعية، ويفضل امتناع الزوج عن الجماع قبل سحب البويضات بحوالي ثلاثة أيام. بالإضافة إلى أخذ العلاج المهدئ الموصوف من قبل الطبيب ليلة العملية وصباح يوم العملية.
ويشير إلى أن عمر المرأة له تأثير على عملية الاخصاب خارج الرحم "أطفال الأنابيب"، تؤثر على نسبة نجاح العملية وهي كما يقول من 20- 25 سنة تكون نسبة النجاح من 20-30 %، ومن30-35 عاماً تكون نسبة النجاح 20-30%، ومن 35-40 عاماً نسبة النجاح من 15-20 %، وما بعد 40 عاماً نسبة النجاح 5-10 %.
ويؤكد أن العامل النفسي يلعب دورا كبيراً في الحمل وفي التحريض على الإباضة ونجاح العملية وفي تنشيط التبويض، "لذلك على المرأة في تلك المرحلة التمتع بالهدوء النسبي وعدم الركون إلى التفكير المتواصل، والقلق غير المبرر باستمرار والتوكل على الله مع الأخذ بالأسباب".
وينصح د. الحلو النساء بممارسة حياتهن الطبيعية، بعيداً عن القلق الزائد والخوف الشديد، الذي يضطرهن للحرص الزائد. فعادة ما ننصح النساء بالتحرك بطبيعية وعدم النوم في السرير وكأنه مرض يستدعي النوم المستمر.
ويقول: "هناك بعض الحالات التي تتطلب الراحة المستمرة والنوم لصعوبة حالتها، لكن بشكل عام ننصح كل سيدة بممارسة حياتها بشكل طبيعي والتحرك داخل المنزل، لكن مع الحذر وعدم الخروج خارج المنزل كثيراً خشية من إصابة ما، وعدم صعود السلالم".
و يؤكد عدم وجود مخاطر على كل من المرأة والرجل والطفل من عملية التلقيح خارج الرحم "أطفال الأنابيب"، لأن ما تأخذه من هرمونات يتم التخلص منه أثناء الدورة الشهرية.
زيَّنه الشرع وأباحه
قد يعتقد البعض أن هناك تعارضاً ما بين العلم والدين، في نظرتهم الضيقة لبعض القضايا، لكن الأحكام الشرعية التي تصدر تجاه القضايا المعاصرة والموضوعات الجديدة أثبتت عكس ما يعتقدون، ومن تلك القضايا موضوع أطفال الأنابيب.
"السعادة" التقت دكتور جمال حشاش للحديث عن الحكم الشرعي لأطفال الأنابيب، فقال: "إن الحكم الشرعي لأطفال الأنابيب هو الجواز، وهو ما يدلل على شمولية الشريعة الإسلامية وصلاحيتها لكل زمان ومكان, وأن الإسلام لا يخالف العلم، بل العلم يخدم الإسلام، والإسلام يستنير بنور العلم".
ويوضح حشاش الضوابط الشرعية لأطفال الأنابيب بقوله: "أن يكون الحيوان المنوي والبويضة من زوجين بينهما عقد شرعي صحيح. وأن لا يتم كشف العورات إلا بقدر الضرورة، فالقاعدة الشرعية في ذلك أن الضرورات إذا كانت تبيح المحظورات فإن القاعدة الأخرى تقيدها وهي (الضرورة تقدر بقدرها) . كما يُمنع خلط الحيوانات المنوية أو البويضات بأخرى من غير الزوجين، لأن ذلك يعتبر زنا، ولا يسمح بأن تزرع البويضة الملقحة في رحم امرأة غير الزوجة، أي في رحم امرأة متبرعة، أما إذا زرع الماء في رحم زوجة ثانية له غير تلك التي أخذت منها البويضات فيصح المولود على غرار الأم في الرضاعة.

تعليقات