مخيمات قرآنية تحفها ملائكة الرحمن

مخيمات قرآنية تحفها ملائكة الرحمن
أربعة آلاف من المشاعل القرآنية يشاركون في مخيمات حفظ القرآن الكريم
تحقيق/ أنوار هنية
هو وعدٌ من الله أن يحفظ كتابه إلى آخر الأزمان، فلله أهله وخاصّته، هم حفظة كتاب الله، الذين قال عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أهل القرآن هم أهل الله وخاصته".
يوظفون أوقاتهم لحفظ القرآن الكريم في مخيمات قرآنية، يذكرها الله من سابع سماء، وتخرِّج حفظة لكتاب الله يَعلَمونه و يُعلِّمونه، ويُلبسون والديهم تاج الوقار الذي يضاهي نور الشمس.

ذهبنا لدار القرآن الكريم والسنة وقد بدت الطالبات في المخيم على أهبة الاستعداد، يجتمعن في حلقات متساوية مع محفظاتهن، وقد انشغلن بالحفظ والتسميع. التقينا سجى ساق الله 17 عاماً، وسألناها عن سبب التحاقها بالمخيم، فكان ردها السريع: "منذ زمن وأنا أحلم بحفظ القرآن الكريم وهذا المخيم الرائع أتاح لي هذه الفرصة، التي أتمنى أن تتكرر كل عام ليصبح الشعب الفلسطيني كله حافظاً للقرآن".
وعن الصعوبات التي واجهت سجى تقول: "في البداية كنت أحفظ ست صفحات ولم أستطع حفظ عشرة صفحات، وفي لحظة قررت عدم الرجوع على المخيم و انهارت نفسيتي، لكن والدتي شجعتني كثيراً وقالت لي كل بداية صعبة، ولكن مع التعود ستحفظين أكثر من المقرر، و هذا ما حدث فعلاً".
وتُحدثنا سجى عن أجواء المخيم التي تصفها بأنها أجواء أسرية رائعة، يتخللها المزاح في أوقات معينة، وبعيدة كل البعد عن أجواء الدراسة الجامدة، فتقول بابتسامة علت محياها: " لقد تعرفت على صديقات جدد، وتوطدت علاقتنا وكأننا نعرف بعضنا منذ مدة".
إسراء بركات التي حفظت القرآن كاملاً في المخيم السابق قالت للسعادة باستحياء: "رسمت هدفي منذ البداية أن أكون حافظةً لكتاب الله، والحمد لله وُفقت في ذلك، وكان لأهلي دور كبير في تشجيعي و متابعتي، وأتمنى أن أطبق ما حفظته، ليرضى الله عني، لأنه ليس
أفضل من ثواب حافظ القرآن فهو شفيعنا، وهو ما ينير ظلمة قبورنا". وقد التحقت إسراء في هذا المخيم لتثبيت ما حفظته في المخيم السابق.
يتحدثون بلغة القرآن
وشاركتنا الحديث هبة سكيك، والتي أبدت ارتياحها الشديد للمخيم الذي شجعها على حفظ القرآن الكريم كما تقول، وعرَّفها على عالم جديد بعيداً عن عالم التلفاز والمسلسلات في أجواء إيمانية متكاملة يتخللها الترفيه.
السعادة رافقت الطلاب في أول رحلاتهم البحرية التي أقاموها للترفيه عن أنفسهم، والتي جمعت بين فئتي الحافظين لكتاب الله في مرحلة التثبيت، ومن التحقوا في المخيم الجديد.
على شاطئ البحر وفي أجواء أسرية تعمها البهجة والسرور الذي ارتسم على محيا الجميع،
أخذنا جانباً من الحديث مع الحافظ صلاح طالب أبو شعر 12 عاماً، فقال: "التحقت في المخيم لحفظ القرآن الكريم لأنه السبيل الوحيد لكرامة الشعوب وعلو الأمم فهو كلام الله المنزَّه، والكلام الذي يحتوي على الإعجاز والفوائد الكثيرة للأسرة والمجتمع، والطريق لإعادة أمجاد الأمة الإسلامية. ويستذكر صلاح كثيراً من القيادات كانوا من المفسرين للقرآن والعالمين به أمثال الشيخ أحمد ياسين والدكتور عبد العزيز الرنتيسي والمفكر الدكتور إبراهيم المقادمة.
وحينما سألناه عن ما أضافه حفظ القرآن الكريم في شخصيته قال: "ذكرني حفظ القرآن بأحكام إسلامية كنت جاهلاً بها، وأعطاني علوماً لم أكن أعلمها، ووهبني الكثير من الفوائد العلمية والتاريخية والأدبية والفقهية".
وعلى مقربة منه كان يلهو علي عطا سالم 11 عاماً، الذي أتم حفظ القرآن الكريم، ويثبته الآن في المخيم. اقتربنا منه ليحدثنا عن سبب التحاقه بالمخيم فقال: "أردت أن يوفقني الله تعالى، وأن يرضى عليَّ والديَّ، وكي ألبسهما تاج الوقار في الآخرة. وأضاف: لا شك أن القرآن الكريم ينمِّي مدارك المرء ويحسِّن خلقه، ويمنح الإنسان القوة".
وعن علاقته بالمحفظ يقول علي: "الحمد لله علاقة أبوية رائعة، فأجده كلما احتجت إليه، حتى خارج التحفيظ".
بينما استرقنا جزءاً من وقت الطفل أحمد قزاعر 11عاماً، والذي كان يهم بالسباحة في البحر، فقال: "أحفظ 17 جزءاً والحمد لله شجعني والديَّ كثيراً، فكلما فترت همتي ساندوني. أحب الذهاب إلى المخيم لأنه يحتوي على المسابقات المتنوعة، ويحتوى كذلك على الفنون التشكيلية التي نقوم بعملها".
وأما طارق طلعت الدلو 17 عاماً، والذي أتم حفظ المصحف، والتحق بالمخيم لتثبيته، فيقول: "كنت شغوفاً جداً بالقرآن الكريم، وحريصاً على حفظه، وأرغب في الدعوة إلى الله، و تبليغ الرسالة، ولن يتأتى ذلك دون حفظ كتاب الله عز وجل". غادرناهم وقد هموا بتوزيع أنفسهم إلى مجموعات لينطلقوا إلى السباحة.
محمد شويخ 12 عاماً، في دار القرآن الكريم والسنة يقول للسعادة: "الحمد لله الذي أكرمني بحفظ كتاب الله، وهداني لذلك، ولولا فضل الله ثم اهتمام المسجد والحفاظ وتشجيع والديَّ لما تمكنت من حفظه في هذه المدة الوجيزة. وأدعو جميع الطلبة لحفظه فهو ليس بالأمر الصعب، لكنه يحتاج إلى متابعة والتزام، بدلاً من هدر الوقت في اللعب واللهو طوال الوقت، حيث بإمكان من يحفظ القرآن مزاولة نشاطاته وألعابه بعد التحفيظ، فما أعظمه من شرف وما أرقاها من مكانة، أتمنى على الجميع أن ينالها، فلحفظة كتاب الله سعادة روحية كبيرة لا يعرفها إلا من تذوق حلاوتها".
بينما يقول بهاء الشنطي 12 عاماً: "ليس هناك شرف أعظم من أن تكون من أهل الله وخاصته في الأرض، وهذه المكانة لا ينالها إلا حفظة كتاب الله، فهم أهل الله وخاصته".
ويضيف: "على كل عاقل ومتدبر أن يجعل أول أهدافه في الإجازة الصيفية حفظ كتاب الله، فهو ينير القلوب والبصائر ويهذب النفوس، ويرتقي بها عن شوائب الدُّنى".
الحفظ خلال ستين يوماً
الدكتور عبد الرحمن الجمل رئيس دار القرآن الكريم و السنة، القائم على مشروع المخيمات القرآنية يقول للسعادة: "أقيم مشروع المخيمات القرآنية العام الماضي كمشروع تجريبي لأول مرة في فلسطين، وسعينا من خلاله إلى توظيف الإجازة الصيفية لتخريج كمٍ من حفظة القرآن الكريم، وترسيخ قاعدة ثابتة تتمثل في أن يكون في كل بيت من البيوت الفلسطينية حافظاً لكتاب الله أو أكثر، بدلاً من إهدار وقت أبنائنا في اللعب واللهو غير المنظم".
ويستطرد د. الجمل: "كانت الفكرة الأساسية لنا البحث عن الطلبة الأذكياء والاهتمام بهم في مجال القرآن؛ لأن الهدف الأساسي هو تخريج جيلٍ من حفظة كتاب الله، و الحمد لله يوجد إقبال كبير من الطلبة تجاوز عددهم 4000 طالب و طالبة، و هذا دليل على مدى تعلقهم بكتاب الله، حيث عادة ما يرغب الطالب بقضاء عطلته في اللعب واللهو بعد عناء العام الدراسي، لكن الأبناء حريصون على قضاء الإجازة الصيفية بحفظ كتاب الله".
ويبين د. الجمل طبيعة هذه المخيمات فيقول: "أطلقت دار القرآن الكريم والسنة مشروع المخيمات الصيفية لتحفيظ القرآن الكريم كاملاً خلال ستين يوماً، وهو يستهدف الطلبة المتميزين والنجباء، ويستهدف فئتي البنين والبنات ما بين 10 إلى 17 عاماً من ذوى المعدلات المرتفعة في كافة المحافظات".
ويقول: "سيلتحق الطلبة الحافظين لكتاب الله بديوان الحفاظ في كافة الفروع لمتابعة الحفاظ في تثبيت ومراجعة القرآن الكريم وتعلم التلاوة والتجويد ومتابعته وفق برامج تربوية إيمانية".
ويضيف: " يهدف المشروع إلى تخريج كوكبة من حفظة القرآن الكريم كاملاً وتنفيذ خطة تعليمية وتربوية ممنهجة بوقت زمني محدد، واستغلال أوقات النجباء والحاجة الماسة لهم ليكونوا مشاعل نور في المستقبل، والارتقاء بحفظة القرآن الكريم من خلال إلحاقهم بديوان الحفاظ".
وللإقبال الشديد على المخيم من قبل الطلبة وضعت دار القرآن الكريم عدة شروط للقبول يجملها د. الجمل: "ألا يقل معدله التراكمي عن 80%، وألا يزيد حفظه على خمسة أجزاء، وخضوعه لاختبار تجريبي في الحلقة لمدة أسبوع، وأن يكون لديه القدرة على حفظ عشرة صفحات من القرآن الكريم، وتعهُّد ولي أمر الطالب والتزامه بإحضار ابنه يومياً لحلقة التحفيظ دون غياب".
وأما عن دور المحفظين فقد أشاد د. الجمل بجهودهم المضنية لإنجاح هذا المشروع وقال: "لولا انتماؤهم الواضح لهذا المشروع وجهودهم العظيمة لما لاقينا هذا النجاح، فبعضهم يبقى مع مجموعته، ولا يعود إلى بيته، و يتعاملون مع الطلبة كأبنائهم، الأمر الذي أوجد ألفة كبيرة بينهم".
نجاح و صدى كبيرين
أما عن شروط المحفظ، يحدثنا عنها عماد الدجني المدير التنفيذي للمشروع فيقول: "أن يكون حافظاً لكتاب الله، وحصوله على دورة عليا في أحكام التلاوة والتجويد على الأقل، وتفرّغه لأوقات التحفيظ، وخضوعه لمقابلة مع لجنة مختصة، والتزامه بساعات الدوام الرسمي وهي ثمانية ساعات".
ويبيِّن الدجني نظام الحلقات التي يُقسم فيها الطلبة إلى مجموعات ما بين 10 إلى 12 طالب
حيث يأتي الطالب إلى المخيم صباحاً، ويبدأ بالحفظ حتى الظهيرة يتبعونها براحة ثم تبدأ مرحلة المراجعة والتثبيت عصراً. وبالإضافة إلى الحفظ نزودهم بدروس تربوية و دورات في أحكام التجويد ومسابقات ورحلات، وبعض الفقرات الترفيهية واللعب على أجهزة الحاسوب كعوامل تحفيزية.
وعن تفاعل ذوي الطلبة للمخيم القرآني يقول: "هناك تشجيع رائع من أهالي الطلبة، لم نعهده في باقي النشاطات بهذا الشكل، فحفظ أبناؤهم لكتاب الله أصبح متطلباً أساسياً، فهم يتابعون أبناءهم بشكل مُلفت".
أم محمد ساق الله مشرفة قسم الطالبات في دار القرآن الكريم والسنة، توضح آلية المتابعة من قبلهم فتقول: "نزور مراكز التحفيظ ونتابع مع الحفظة، وننسق للرحلات، كما نتابع الطالبات في بيوتهن، في حال حدوث أي مشكلة ولمتابعة من تتغيب منهن عن المخيم، فنقوم بالمعالجة الفورية لأي مشكلة، سواء كانت من المركز أو المحفظة، كما نُعد لعمل دورات تتمثل في كيفية تعامل المحفظات مع الطالبات".

تعليقات