أسرار البنات تطرق آذان الأهل من الصديقات

تنتشر كالنار في الهشيم

ودعت الطفلة الصغيرة سنوات عمرها القليلة، وخرجت من شرنقة الطفولة لتصبح في عالم آخر، مختلف بشتى تفاصيله، فأصبح لها عالمها الخاص، وأسرارها، وحكاياتها، أصبح للبنات أسرار تختلف باختلاف الشخصية والتفكير والسلوك، ويختلف مستودع سر كل واحدة منهن، فبعضهن يلجأن إلى الأمهات، و البعض يحفظن أسرارهن في صدور بعض القريبات والرفيقات، والبعض يلجأن إلى دفاتر المذكرات، يسجلن فيه ما يجول في وجدانهن.
"السعادة "حاولت الاقتراب من أسرار البنات، ومعرفة حدود الخصوصية التي تتمتع بها كل بنت، واستمعت لبعض الآراء في حدود الفضفضة وإفشاء الأسرار.

"أمي هي سريرتي، فلا أجد من هو أكثر منها أمناً وحباً وحرصاً علي". كانت تلك الكلمات التي عبرت بها ولاء الهندي (18 عاماً).
و تضيف: "أمي تعاملني كصديقة لها وليس كابنتها فقط، فأشعر معها بالأمان الذي تطلبه أية فتاة من والديها، فلا أجد حرجاً في الحديث معها عن أي موضوع ومناقشتها فيه، وطلب مشورتها في شتى مجالات حياتي، حتى في أخص الخصوصيات، على عكس مما تفعله صديقاتي حيث يلجأن إلى تسرير بعضهن البعض على خصوصياتهن، وتبدأ المشاكل حيث تجد ما أسرَّته لصديقتها معلوم لصديقة أخرى".
وتختتم الهندي حديثها بتساؤل يفتح مجال آخر للنقاش: "لماذا ألجا إلى البنات وأنا أجد المستودع الأمين والحضن الدافئ الذي يغنيني عن الجميع؟".
وتشاركها الرأي (أسماء بعلوشة 22 عاماً) التي تعتبر الأم هي من يجب أن يطلع على أسرار وخصوصيات البنت؛ لأنها بتجاربها وحكمتها التي تعلمتها على مدى السنين تكون أقدر على النصح والإرشاد.
وتتساءل: "ومن سيكون أحرص على البنت من أمها لتكون الحصن المنيع لها؟ فالصديقات عادة ما يكن في نفس العمر، وبالتالي تتشابه التجارب والأحكام ومستويات التفكير، على العكس من الأم التي تكون خاضت التجارب ولديها معرفة واطلاع في شتى المجالات".

صدر ضيق

"إذا ضاق صدر المرء عن حفظ سره، فصدر الذي يستودع السر أضيقُ"، نها الرملاوي (17 عاماً)، تؤمن بتلك المقولة، لذلك فهي لا تودع أسرارها عند أحد، لكنها تعقب قائلة: "لا يستطيع المرء العيش داخل جدران ذاته فقط، فلابد من طاقة تفريغ يتوجه إليها الإنسان، وإلا أصيب بالعقد النفسية التي تقلب حياته رأساً على عقب، ومستودعي الخاص لأسراري هو دفتر مذكراتي الخاص الذي أستودع فيه كل ما في نفسي ، بعيداً عن بلبلة الألسنة التي يكون ضررها أكثر من منفعتها، فأنا لا أسرّ إلى البنات بموضوع يخصني".
وتتابع: "التجربة تثبت مساوئ هذا الأمر؛ لأن البنات يساررن بعضهن، وتجد السر في فم صديقة ثالثة ويتم تداوله فيما بينهم فيصبح خبراً للنشر وليس سراً".
وتحرص الرملاوي على كتابة مذكراتها الشخصية بشكل شبه يومي، وتسجل المواقف التي تصادفها وردود أفعالها تجاهها، وبعد فترة ترجع لقراءة مذكراتها حتى لا تكرر أخطاؤها وتستفيد من مواقفها المتنوعة.

وتشاركنا الحديث صديقتها نور (17 عاماً) التي تعبر عن تجربتها الشخصية حول أسرارها الشخصية فتقول: "بدأت في كتابة بعض ملاحظاتي وخواطري منذ كنت في المرحلة المتوسطة، في دفاتر أشتريها خصيصاً لهذا الغرض، ولسان حالي يقول: "ليتني أختار الأصدقاء كما أختار هذه الدفاتر!" ثم تطورت علاقتي بالكتابة الشخصية، لدرجة تسجيل المواقف والأقوال التي لا أستطيع مواجهتها والبوح بها للآخرين، وأرى أن هذه وسيلة مأمونة العواقب، وبعدها بكل صراحة أشعر براحة نفسية كبيرة".
وتستذكر نور من المواقف التي حصلت لها وتقول: "والدتي أحرجتني أمام بعض الأقارب وهم في زيارة لنا، في البيت وأنبتي وزجرتني في أكثر من موقف بطريقة مهينة، وسجلت كل ما في نفسي حتى دموعي شاركتني الكتابة! وفي إحدى المرات بعد فترة قرأت والدتي المذكرات الخاصة بي صدفة، ووضحت لي ما حدث وأقنعتني، وتغيرت معاملة أمي بعدها تماماً".

السر في غير مكانه

"هل تفكرين في اللجوء للقريبات للبوح بأسرارك؟" سؤال استثار حفيظة (م،ع) كما غيرها من بعض البنات، فهي تنفي بشدة تبادل أسرارها مع بنات خالاتها أو قريباتها، على الرغم من تقارب السن والهوايات فيما بينهن، وتقول للسعادة: "تجربتي مع ابنة خالتي، حينما أسررت إليها أن صديقة لي يرغب أهلها بزيارتنا لخطبتي، فأباحت بما قلته لها لوالدتها على الرغم من عدم إخباري لوالدتي لشعوري بالخجل الشديد، لكن ابنة خالتي أخبرت أمها، فوصل الخبر إلى والدتي التي غضبت غضباً شديداً وأنبتني كثيراً، واتهمتني بأنني أثق في الأغراب ولا أثق بها، فصنع ذلك شرخاً بيني وبين والدتي، وعملت المستحيل كي أعيد بناءه، ولم تقتنع إلا بعد عدة أيام مرت عليّ كأنها سنين، ولم تسامحني إلا بعدما اقتنعت أن خجلي هو الذي منعني من الحديث وليس عدم الثقة، ومن بعدها قررت ألا أحادث أحداً بأسراري".

أخبرتني صديقتها

وتتحدث بعض الأمهات عن تجربة بناتهن، وتقول (ن، ع): "كنت في المنزل أعد طعام الغذاء، حينما رن جرس التلفون، وكان المتصل صديقة ابنتي، التي طلبت رؤيتي، بدون علم ابنتي بزيارتها، لم أكن على علم بما ستخبرني به، لكنها أصرت على عدم وجود ابنتي في البيت في موعد زيارتها، وحققت لها رغبتها، فإذا بها تساررني بما لم تتحدث به ابنتي التي التحقت مؤخراً بمركز يساندها في دراستها الجامعية في تخصصها".
وتضيف: "حدثتني صديقتها أن شاباً في المركز يريد أن يتقدم لخطبتها، وقد أبدت موافقتها المبدئية حتى يتقدموا لخطبتها في البيت ولم تعلمني بذلك، وتقول صديقتها إن الشاب غير مناسب لها في مختلف المواصفات، وجميع صديقاتها نصحنها بذلك، لكنها لم تقتنع".
فتحت (ن.ع.) مع ابنتها حواراً بدا عقيماً حول الموضوع، لكنها استطاعت استدراجها، وبعد عدة جلسات اقتنعت بما قالته لها، وتقول: "أدركت خطئي في عدم سؤالي عنها ومشاركتها بشكل فاعل، فحرصت على تلافيه بعد ذلك، وأصبحت تساررني بكل ما يشغلها".
وعبرت فدوى أبو زنادة ،مُدرِّسة، عن أهمية الصداقة الحقيقة التي تبعث الراحة والاطمئنان، حيث تعتبر صديقاتها مستودع أسرارها، مع تأكيدها على ضرورة اختيار الصديقة التي تستحق هذا اللقب، بعيداً عن الصداقات السطحية التي تجلب المشكلات، و يكثر فيها القال والقيل، والاستغلال المواقف.
وفي ذات السياق، تعبر أم سراج عن استيائها من موضوع أسرار البنات الذي يحتاج إلى الكثير من الصبر في التعامل، لإيجاد جسور الود و الثقة بين الأم وابنتها حتى لا تستجدي البديل فيمن هم في مثل سنها، لذلك، فهي كما تقول: "صنعت جسر الثقة بيني وبين ابنتي وفي كل يوم أسألها عن تفاصيل يومها باهتمام غير مقلق، و استخدم معها الأسلوب المباشر وغير المباشر حتى أبقى على اتصال بها، و أحاصرها بأسلوب الحب، و الكلمات الحانية والعاطفة الكبيرة، وقد نجحت في ذلك، فهي لا تسارر أحدا غيري فيما يخصها".
بينما تشتكي (ح،ع) (24 عاما) من يأسها من ابنتها التي احتارت كيف تصل إلى قلبها ومستودع أسرارها، وكل محاولاتها ذهبت أدراج الرياح، وتصف ابنتها بأنها غامضة ويصعب اكتشاف مكنوناتها، حتى صديقاتها، لا تساررهن بما يجول في خاطرها.

الحصن المنيع

إلى من تلجا الفتيات للبوح بأسرارهن؟ ولماذا يهربن بتلك الأسرار من الأمهات؟ ولماذا تلجأ الفتيات إلى الصديقات أو المذكرات للبوح بأسرارهن؟ ولماذا يفتقد بعضهن عنصر الأمان، و يلجأن إلى الغير للحديث عن خصوصياتهن؟ وماذا يفعل الأهل لمد جسور الثقة بينهن وبين بناتهن؟
د. أحمد دويكات، رئيس نقابة الأخصائيين الاجتماعيين والنفسيين في نابلس، بادر بالقول: " إن الإنسان اجتماعي بطبعه، يحتاج إلى من يشعره بالأمان والطمأنينة، ويطفو ذلك الإحساس عند البنات، خصوصاً في مرحلة المراهقة، التي تتميز بطغيان العواطف والأحاسيس والمشاعر الروحية، وأحد سمات هذه المرحلة هو تشكيل صداقات لها ميزاتها، لكنها صداقات لها تأثير بالغ على شخصياتهن، كما أن تأثيراتها قد تستمر مدى الحياة، وربما تحل بالكامل محل الأسرة والآباء، حيث إن جل وقتهن يكون في المدرسة مع صديقاتهن، وبعد المدرسة، ربما يلتقون معهن على الهاتف أو في زيارات".
ويضيف: "في هذه الحالة، إذا لم تجد الفتاة الأمان الذي تشعر به داخل المنزل والحصن المنيع الذي تبث له بأفراحها وأتراحها، وإذا لم تجد الآذان التي تصغي إليها، والقلب الواسع الذي يحتضن كل ما يجول في خاطرها، فإنها تبحث عنه في مكان آخر، وتعطي تلك الثقة للآخرين، منهم الصديقة أو الجارة أو القريبة، حتى إنها قد تصادق دفتر مذكراتها، ومنهن من تحتفظ بأسرارها داخل جدران ذاتها، فلا تسارر أحداً".
ويُرجِع د. دويكات أسباب عدم بوح الفتاة بأسرارها إلى: "الخوف من الأهل، أو عدم الثقة بآرائهم، إما لأسباب تتعلق بقناعتها بقدرتها على مواجهة وتحمُّل ما قد يحدث معها بعيداً عن مساعدة الآخرين، وإما لاعتقادها أن البوح بالأسرار هي أعباء جديدة تلقى على كاهل الأهل، وهي لا ترغب في تحميلهم أعباء أخرى، وتلك الأسباب مجتمعة تجعل كل واحدة تختار مستودع أسرارها حسب تنشئتها الاجتماعية وسماتها الشخصية".
ويقول: "إذا كانت التنشئة الاجتماعية سوية، وعنصر الأمان الذي تبحث عنه الفتاة موجود، فإنها تبوح بأسرارها لوالدتها وتأخذ بنصيحتها، وإذا لم تجد ذلك تلجأ إلى صديقاتها".
ويحذر من أن الخطورة في هذه المرحلة تكمن في إصرار الفتاة على اختيار صديقتها حسبما تضع هي من مقاييس وعلامات، وقد لا تسمح للأهل بالتدخل في اختيار صديقتها ،على اعتبار أنها في حالة استقلال ذاتي، فإذا كانت الصديقة تحمل الصفات الحسنة، كان اختيارها لمستودع أسرارها مقبولاً".
ويستدرك د. دويكات: "لكن إذا كانت صديقتها ليست كذلك، تصبح أسرارها على ألسنة الجميع، وهنا تكمن الخطورة، فتلك الصداقات في الأصل هي مستودع أسرار، فينقلون لصديقاتهن كل أسرارهن حتى فيما يتعلق بشؤون الأسرة، أو علاقاتهن العاطفية، إلى غير ذلك، وهن ينظرن أيضاً إلى هذا المستودع على أنه مكتب لحل مشكلاتهن؛ فينتظرن الحلول من أناس يشابهونهن في العمر والمرحلة، أي حلول ناقصة أو مبتورة، وهذه الحلول قد تؤدي إلى نتائج أكثر سلبية على المراهقات أنفسهن".

مذكرات كتابية

ويعقب د. خالد الكخن، عضو رابطة الأخصائيين الاجتماعيين، على لجوء البنات إلى المذكرات الكتابية بقوله: "في هذه السن تلجأ بعض الفتيات إلى كتابة مذكراتهن، للتعبير عن مجموعة من المشاعر والأحاسيس التي تكون غالباً غير حقيقية، وتحتوي على نقد لبعض الأشخاص الذين لا يمكن توجيه النقد إليهم صراحة، لكن هذه المذكرات مرآة صادقة تعكس تفاعلات تلك الفتيات، ونقداً صريحاً لبعض المشكلات التي تتعلق بجوانب مختلفة من الحياة، ونافذة على أشياء لا تقوى مواجهتها في الواقع".
ويضيف د. الكخن: "كتابة هذه المذكرات التي تكون معظم الأحيان مبررات طبيعية لهذا الكبت، الذي قد يترك آثاراً سيئة عليهن فيما بعد، إضافة إلى فقدان البنات الثقة فيمن حولهن، ليبحن له من أسرار فيلجأن إلى كتابة المذكرات.، والأصل أن يكون هناك اتصال بين الفتاة ووالديها، لتبوح بما يجول في خاطرها لهن وليس لجماد، وهي "المذكرات" التي لا تفهم لغة المشاعر ولا تصنع الحلول، لكنها وسيلة للتعبير تحاول الفتاة فيها التنفيس عما يحدث معها".

"كيف يثق بكم أبناؤكم؟"

سؤال يطرح نفسه لمد جسور الثقة بين أولياء الأمور وبناتهم، ليكونوا مستودع أسرارهن، يضع له د. درداح الشاعر، أستاذ التربية وعلم النفس بجامعة الأقصى، مجموعة من المهارات لتحقيق ذلك، منها: "تقوية العلاقة بين البنات والآباء والأمهات، وتغيير الأجواء الموجودة في الأسرة إلى أجواء محببة لهم، وإشاعة روح الحوار بين الطرفين، وعدم التجسس على البنات، كي لا يفقدن ثقتهن بأسرهن، بل مراقبتهن عن بعد، كذلك اتباع أسلوب التوجيه غير المباشر معهن، وتوفير الحاجات الأساسية لهن، لأن إشباع هذه الحاجات داخل الأسرة، يقلل من شعورهن بالنقص أمام الآخرين، وإشعارهن بأنهم مستقلات ولهن كيانهن الخاص، واستشارتهن في شؤون عامة في الأسرة، لتزيد من ثقتهن بأنفسهن، و الأهم من هذا كله تشجيعهن على حرية التعبير والنقد، والمشاركة في اتخاذ القرارات، كذلك اتباع أسلوب القدوة، بمعنى أن يتحدث الأب أو الأم عن بعض المشاكل التي تواجههم، ويطرحونها للنقاش بهدف تعزيز هذا السلوك لدى البنات، الأمر الذي يبعث الأمن النفسي لديهن فليجئن إلى الأهل و ليس إلى غيرهم".

تعليقات