برود الزوج العاطفي نار تحت الرماد

تبلد المشاعر يفتح الباب على مصراعيه لانهيار الحياة الزوجية

كثيرة هي المشاكل التي قد تحدث بين الزوجين إذا لم يفهم كل منهما ماله من حقوق وما عليه من واجبات، وإذا لم يكن على فهم ودراية بقدسية الحياة الزوجية التي يلزمها الكثير من التوازنات والتنازلات، والوصول لحلول وسط مشتركة.
لكن قد يحدث أحياناً بين الزوجين -نتيجة لظروف متعددة- ما يعرف بالجفاف العاطفي، وهو حالة من البرود التي تقيد الحياة العاطفية بين الزوجين، ما يسبب الصمت الطويل بينهما ويسيطر الروتين المتكرر على حياتهما، بعيداً عن الالتفات لمشاعر الحب والمودة.
تحقيق: أنوار هنية
وإذا كان أساس العلاقة الزوجية السكن والمودة، فإن ما يعطل ذلك الشعور أو يخفيه مجموعة من المسببات رصدتها "السعادة"، تتمثل في وجود خلل في التكوين العاطفي لكلا الطرفين، أو أن كلاهما جاف الطبع، أو افتقار كلا الطرفين لطبيعة وتفكير وحاجات الآخر العاطفية، ويرجع ذلك لموروث العادات والتقاليد التي تجعل الرجل يخفي شعوره ، ويشعر بالخجل من إبدائها والتصريح بها، وقد يكون من الأسباب الشعور بالحواجز النفسية وعدم فهم طبيعة الآخر، وعدم التوافق النفسي، والتكافؤ العلمي والثقافي، والإهمال الزوجي، وعدم المصارحة، وتراكم المشاكل من سوء المعاملة المتبادلة، وعدم الاحترام المتبادل، والإهمال في تأدية الواجبات الزوجية والمنزلية, والإهمال في النظافة والمظهر، و الروتين المستمر، وعدم التجديد، وظروف العمل سواء بالنسبة للمرأة أو الرجل، والصمت الكثير وعدم الحديث معاً عن مختلف القضايا، والنظر إليه على أنه تدخل في خصوصيات الآخر, وغياب الوعي الثقافي.
تعكس معالم وجه ح.هـ (25 عاماً)، معالم قسوة تجربتها التي كان الطلاق هو القرار النهائي لها، بعد صولات مع الألم.
تعود ح.هـ بذاكراتها إلى ما قبل عام، حينما وجدت الفرحة طريقها إلى قلبها الذي أحب بعنف طليقها، وتقول لـ "السعادة": "كانت حياتي قبل الزواج مفعمة بالحب والحيوية، ولم يكن للقسوة مكان في حياتنا، وكان للحياة الزوجية صورة مقدسة في ذهني، تركت دراستي الجامعية حينما تقدم لخطبتي شاب رأيت فيه الصفات التي أحبها، وبعد مرور شهر على زواجنا بدأت اكتشف صفات جديدة، بحثت عن معاني العاطفة في كلماته، في نظراته، أو سلوكياته لكني لم أجد سوى الجفاف، حاولت الحديث معه فكانت كلماته التي عبر بها عن ذلك: إنه ليس لديه الوقت للكلام الفاضي الذي يسمى حب أو عاطفة".
وتضيف: "حادثته عن سكينة الزوجين، عن المودة والرحمة التي جمع الله بها بين قلبينا، لكن كبرياءه ورجولته -التي يعتقد أنها ستنهار بالحديث عن المشاعر- تمنعه من التعبير عن ذلك، فلم أستطع العيش في أجواء الجفاف، بالإضافة إلى تدخلات والدته المستمرة في حياتنا، فاجتمعت الأسباب التي دفعتي إلى اتخاذ قرار الانفصال الذي لم أكن أفكر فيه يوماً من الأيام، لكن تجارب الواقع المريرة تضطرنا إلى الاختيار الصعب".
تجاهل وجفاف
ولم تكن "م،ع" (30 عاماً) تختلف كثيراً عن سابقتها، لكنها قبلت بالواقع واتخذت قراراً بالاستسلام بعد عدة محاولات، تقول: "حاولت تغيير طباع زوجي التي جُبِل عليها، من خلال تنشئته الاجتماعية التي تقضي بأن الرجل لا يتحدث عن العاطفة، لأنها في معتقداتهم منقصة في رجولته، حيث إنهم نشئوا في بيئة تقضي بأن الزوجة موجودة لتلبية احتياجات الزوج والأبناء، و في المقابل يلبي الرجل احتياجاتها ولا يقلل من احترامها أو قدرها، لكنه يعتقد أنها احتياجات مادية فقط، بعيداً عن العاطفة التي هي روح الحياة".
وتضيف: "حاولت ذلك جاهدة، لكني لم أستطع تغيير طباعه التي اكتسبها في مدة طويلة من الزمن، فنموذج والده ووالدته لا زال حياً في ذاكرته، والكلام الجميل وإظهار العاطفة تبقى داخل شرنقة "العيب"، حاولت المبادرة بالحديث معه والتلميح، وأخيراً بالمصارحة، لكن محاولاتي ذهبت أدراج الرياح مقابل جموده وعدم رغبته في التغيير أساساً".
لا حياة بدون عاطفة
ويرى أحمد عاشور -الذي يعمل في مجال أنظمة المعلومات- أن الرجل الذي لا يعبر عن عاطفته لزوجته تنقص حياته الكثير من الأشياء الجميلة".
ويعتبر أن إظهار العاطفة والمشاعر الجميلة في عدة صور هو واجب يومي يجب على الزوج القيام به تجاه زوجته، فهو أقل ما يمكن أن يقوم به تجاه إخلاصها وتفانيها، ما ينعكس على الحياة الزوجية وعلى صعيد العمل الوظيفي بشكل إيجابي".
ويضيف: "في حال كانت الزوجة منهكة في عمل المنزل، أو حدثت معها مشاكل معينة، فإنها تقابل زوجها ببعض الفتور، لذا يجب أن يبادرها بالكلمات الرقيقة التي تطيب خاطرها وترفع عنها عناء اليوم، ما يجعلها تشعر بالأمان والدفء، الأمر الذي ينعكس إيجابياً على حياتهما سوياً".
ويتفق معه محمد فحجان مبرمج حاسوب، ويرى أن البخل العاطفي عدم إعطاء ما تملك لمن يستحق، والزوجة أكثر إنسانة في الوجود تستحق من زوجها الحب والحنان، وإلا فمن سيمنحها ذلك الشعور؟!
ويتساءل: "لماذا يبخل الرجل على نفسه وزوجته بحياة سعيدة، ويقضي أيامه في حرمان المشاعر الإيجابية التي أودعها الله في قلبيهما".
ويستدرك: "لا أرى سبباً لفقدان ذلك تحت أي مبرر من المبررات مثل إرهاق العمل، أو عدم وجود متسع من الوقت، إلى غير ذلك من المبررات الواهية التي تنغص حياة الزوجين، فالعاطفة والسكينة والمحبة هي ثلاثي السعادة الزوجية، وإذا كانت العاطفة صادقة، ومتبادلة، فإنها تساهم بشكل كبير في حل المشاكل الأسرية بشكل سريع وفعال، بحيث يكون التعامل مع المشكلة بشكل إيجابي.
مصارحة وتلطف
لماذا يبخل الزوج على زوجته عاطفياً؟ وتحت أي مبرر؟ سؤالان قد يجدان لهما أرضية مشتركة عبر الانطلاق من سبب واحد، هو التنشئة الاجتماعية بما يترتب عليها من مكونات وتأثيرات أخرى.
ويرى د. أحمد دويكات -رئيس رابطة الاجتماعيين والنفسيين في نابلس- أن الحلول تكمن في الصدق والمصارحة أولاً بأول، وفي كل خطوة دون توزيع التهم، بل بالتي هي أحسن، وعقد اجتماع دوري هادئ يعرض فيه كل طرف ما يحتاجه من الآخر، كذلك التشاور, والتعرف والإنصات, ونزع النظرة الكمالية، فلن يوجد الكمال لأي طرف، بل يحاول كلاهما أن يتجها نحوه، وعدم التشديد في العلاقات، وعدم التساهل بالحزم حين يتعرض المشاكل واستشعار الفقدان العاطفي، و تبادل الطموحات والآمال، ورسم الصورة التي يريد كلٌ أن يكون عليها الآخر.
و ينصح د. دويكات: "على كلا الزوجين تبادل مدح أخلاق الآخر، لتحفيز أنفسهم على المعاملة الطيبة، واحترام الزوج لميول الزوجة ورغباتها، وتبادل الهدايا بين الزوجين لإنعاش السعادة بينهما، فالهدية وسيلة للتعبير عن المحبة، وحرص الزوجة على التزين الدائم لزوجها، وشكر الزوجة للزوج على ما يقدمه لها من خدمات، وتغزل الزوج بزوجته وتشبيهها بأجمل المخلوقات، وعلى الزوجة تجنب العبوس في وجه زوجها بدون داعٍ حتى ولو صدر من الزوج تصرفات تزعجها، كذلك حرص الزوجة على اختيار ما يميل له الزوج من ملبس أو ترتيب لأثاث منزلها بشكل يروق له، واستحسان معاملته، وتفادي الشك والظن في بعضهما، فلا يسمحا للغيرة أن تتحول لسوء ظن وتشكيك لسلوك كل منهما، ولا يجرحا مشاعر بعضهما إن صدر من أحدهما سلوك غير طيب في حق الآخر".
رفق وتودد
جاء الإسلام يحمل في طياته معانيَ و تعاليم نظمت حياة المسلمين ورسمت حدود علاقاتهم، فكانت مكانة الزوجة وتلبية احتياجاتها من جملة المعاني التي كفلها الشرع.
يقول أ.د. محمد شريدة أستاذ الشريعة الإسلامية في جامعة النجاح الوطنية: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقدر الزوجة ويوليها عناية فائقة، ولم يبخل عليها سواءً مادياً أو معنوياً، وضرب أروع الأمثلة في ذلك، حيث تجده أول من يواسيها، يكفكف دموعها، ويقدر مشاعرها، ولا يهزأ بكلماتها، يسمع شكواها، ويحتمل صدودها ومناقشته،ا ويحترم هويتها، وضرب صلى الله عليه وسلم أَروع الأمثلة في التـلطـف مع زوجاته وحسن معاشرتِهن والتـودد إليهن ومداعبتهن"
ويبين أ. د. شريدة بعض من هذه المواقف فيقول: "كان صلى الله عليه وسلم يعرف مشاعر وأحاسيس زوجاته، فكان يقول لعائشة: (أنى لأعلم إذا كنت عني راضية وإذا كنت عني غضبى، أما إذا كنت عني راضية فإنك تقولين: لا ورب محمد، وإذا كنت عني غضبى قلتِ: لا ورب إبراهيم؟) رواه مسلم"
ويستدرك أ. د. شريدة: "كان صلى الله عليه وسلم يظهر محبته ووفاءه لها، فقال صلى الله عليه وسلم لعائشة في حديث أم زرع الطويل الذي رواه البخاري: (كنت لك كأبي زرع لأم زرع) أي أنا لك كأبي زرع في الوفاء والمحبة، فقالت عائشة :(بأبي وأمي لأنت خير لي من أبي زرع لأم زرع!)، كان صلى الله عليه و سلم يختار أحسن الأسماء لها فكان صلى الله عليه وسلم يقول لعائشة :( يا عائش، يا عائش هذا جبريل يقرئك السلام) متفق عليه، وكان يقول لعائشة كذلك: (يا حميراء)، والحميراء تصغير حمراء ويراد بها البيضاء، ولم يكن يتأفف من ظروفها، فتقول عائشة رضي الله عنها: (كنت أُرَجِّلُ رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم -يعني أسرح شعره- وأنا حائض)".
و يوجه أ.د. شريدة نصيحته للشباب قائلاً: "على الشباب الالتزام بتعاليم الإسلام في معاملتهم لزوجاتهم، والقراءة في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وسير الصحابة و التابعين والسير على ذات الخطى، والتأمل في قول الرسول صلى الله عليه واله وسلم : (خير الرجال من أُمتي الذين لا يتطاولون على أهليهم، ويحنّون عليهم، ولا يظلمونهم)، وتطبيقه في حياتهم العملية للوصول إلى الاستقرار الأسري".

تعليقات